الشريعة الإسلامية والشرعية الدستورية تنافر أم توافق? تعارض صريح أم مواءمة ممكنة? وما هو موقف المذاهب الفقهية التقليدية والتيارات الفكرية والسياسية المعاصرة من هذه القضية المتفجرة? وهل نجح المجتمع الكويتي الحديث في تحقيق التوازن المنشود بين احترام القواعد والأصول الشرعية ووضع أسس المشروعية الدستورية المنسجمة مع تلك القواعد والأصول المعاضدة لها في إطار عصري مناسب لحاجات المواطنين ومتطلبات العصر?
تلك هي الأسئلة الصعبة التي تصدى لها بحدب وموضوعية فائقة الدكتور الشيخ إبراهيم دعيج الصباح فالدراسة من ناحية تأصيلية في بيان القواعد الشرعية المتعلقة بأساس الحكم وممارساته ومجالات الاجتهاد فيها, ومن ناحية ثانية تطبيقية في بيان التطور التاريخي للأوضاع الدستورية في دولة الكويت والمقومات الأساسية للحكم فيها, ومن ناحية ثالثة تحليلية في بيان العلاقة الجدلية بين الشريعة والدستور في النظرية والتطبيق.
في مقدمة الدراسة حدد المؤلف مفهومها الأساسي وهو (الشريعة التي ينبثق عنها الفقه الذي يشكل مجموعة الأحكام, ومن الأحكام الأساسية يوضع الدستور, وما يتبقى من أحكام تسن بشكل قوانين تتغير وتتبدل حسب المجتمع وتغير الظروف الداخلية والخارجية والمصالح المرسلة).
ويحدد المؤلف هدفه من دراسته بكونه (تبيان أوجه الاتفاق أو الاختلاف بين الدستور الكويتي والشريعة الإسلامية. لكن ما يجب أن يكون واضحا منذ البداية هو أن الدستور الكويتي قائم بصورة مواد محددة وواضحة ومفسرة في المذكرة التفسيرية. أما النظرية الدستورية الإسلامية فمرجعها الرئيسي الشريعة (أي القرآن والسنة) وبالنسبة لكليهما لا يوجد اتفاق بين الفقهاء لاستنباط إسلامي موحد لأن تفسير الآيات هو محل جدال بين العلماء كما أن الأحاديث لا تحظى بالاتفاق على صحة عدد كبير منها).
وعندما يتصدى الكاتب لموضوع شائك مثل هذا الموضوع فإنه لا تنقصه الصراحة حينما يقرر في نهاية مقدمته بأنه (يشعر بأنه ورط نفسه في دوامة يصعب الخروج منها بسلامة علمية, نظرا لأن الموضوعات الدينية دقيقة وحساسة, وما يزيد من الحساسية إصرار الكاتب على الخروج من هذه المهمة بشعور الذي أدى واجبه نحو الحقيقة العلمية ومصلحة الكويت).
وللخروج من هذه (الورطة) إذا جاز التعبير بأقل الأضرار الممكنة فإنه يلزم توافر صفات عديدة في الباحث أبرزها الموضوعية والوسطية والصراحة العلمية وهي صفات يلاحظ القاريء توافرها في ثنايا هذه الدراسة. فمنذ البداية يصرح المؤلف بوضوح بأنه (عند مقارنة الدستور الكويتي مع الفقه سنرى أنه توجد عدة مدارس فقهية وعدة مذاهب وآراء, وبأيها نأخذ فلا ضير علينا. والمقصود بهذا الكلام هو أنه قد يأتي باحث آخر أو قاريء لهذه الدراسة فيقول بأن الكاتب جانبه الصواب إذ لا تتفق هذه المادة من الدستور مع الفقه, لهذا يجب وضع النقاط على الحروف منذ البداية والإعلان بأن الكاتب لا يتقيد بفقه معين أو مذهب محدد في هذه الدراسة بل ما يلتزم به هو ذكر الآراء المختلفة, مع الاحتفاظ بحقه الديني والعلمي في اختيار الرأي الذي يريده خاصة أنه يأخذ بطريقة العقل ودوره في الاختيار بين البدائل عند النقل).
تقنين الشريعة